لقد صدق من قال : إن المنطق عرف بدايته الصورية مع أرسطو , ثم
مرحلته الرمزية مع جورج بول , ثم مرحلته الرياضية مع برتراند راسل , ثم
انطلاقته الضبابية مع لطفي زادة .
المنطق عند : جورج بول ( 1815 -1864)
عندما بلغ سن الخامسة و العشرين من عمره فتح مدرسة لتعليم
الرياضيات و قرر تدريسها مبادئ هذه المادة بعمق أكبر و لم يعجبه مستوى
الكتب المؤلفة بالإنجليزية مقارنة مع ما يكتب باللاتينية و اليونانية و
الفرنسية و الإيطالية . فاستفاد من أعمال غاوس و لا بلاس و لاغرانغ و
ليبنتز و أولير.. و آخرين و أنجز بول عملا أصيلا في الجبر مكتشفا ”
المتغيرات “….. و على امتداد سنوات ظل يهتم بالرياضيات العالية . و في 1844
منحته الجمعية الملكية ميدالية ذهبية مكافأة له على مقالته في حساب
التفاضل و التكامل و سرعان ما بدأ جورج بول بعد ذلك في البحث فيما أصبح
إسهامه الأكبرفي الرياضيات و هو عمله في مجال المنطق….ثم نشرت الفكرة
مطبوعة ( بعد تطويرها من قبل جورج بيكوك ) و هي: أن الرياضيات ليست سوى شكل
خاص من نظام منطقي أكثر عمومية و شمولا . و يهتم هذا المنطق بالعلاقات بين
الأشياء , و خصوصا بالعلاقات بين أصناف الأشياء و يمكن لهذه العلاقات أن
تكون عددية أو غير ذلك .
و للتوضيح نورد بعض ما تناوله جورج بول فيما رآه علاقات منطقية تحكم العقل البشري
فتناول العلاقة بين عناصر المجموعات كقانون التبادل : أ.ب = ب.أ ( أ في ب = ب في أ)
و قانون العلاقة التجميعية : أ(ب د ) = (أ ب ) د
وقانون التوزيع لعملية الزائد : د ( أ + ب ) = د أ + د ب
وقانون التوزيع لعملية الناقص : د ( أ- ب ) = د أ – د ب.
كان يعتقد أن دراستنا للرموز الرياضية ( + و – …) تقودنا الى
معرفة القوانين الأساسية للعقل . و انتهى إلى أن بعض العلاقات بين الأعداد :
كقانون التكامل و قانون التوزيع وقانون التجميع وقانون التبادل هي بديهيات
( أكسيومات ) لا يستطيع العقل البرهنة عليها .
( للمزيد راجع كتاب تاريخ الرياضيات جون بول كوليت ج 2 ص 253 , 254 باللغة الفرنسية )
ابتكر جورج بول طريقة للتمثيل بواسطة الرموز ( طريقة للحساب )
يمكن استخدامه لتعريف أي مفهوم مثل “الثروة ” أو ” أشخاص تافهون” , و كذلك
ترجمة مقولات كاملة (جمل خبرية ) مثل ” كل إنسان فان ” إلى معادلات رياضية
تعالج باستخدام الجبر العادي .
و كتوضيح لطريقة بول , لنأخذ التعريف المقترح من قبل إقصادي ”
سينيور ” للثروة : ” تتألف الثروة من أشياء قابلة للتحويل و محدودة المصادر
, و هي إما جالبة للمتعة و إما مانعة للألم “. يتعامل بول مع هذه المقولة
بترجمتها إلى معادلة رياضية بتطبيق ترميز رياضي دقيق و محدد لعناصرها ,
فمثلا يمكن أن نستخدم حرف ᵂ كبديل مختصر لكلمة ” الثروة ” أي : الثروة = ᵂ .
و على نحو مشابه نستخدم الرموز التالية : ᵗ= قابل للتحويل , =محدودة
المصادر , ᵖ=جالبة للمتعة , ᵣ= مانع للألم . و كذلك نستعمل رمز الضرب (.)
بدل حرف العطف (و) , ورمز الجمع (+) بدل الحرف (أو) , فنعبر عن تعريف
الثروة المذكورة بالمعادلة الرياضية التالية :
W=st[p(l-r)+l-p]
إن جميع العمليات اللغوية التي هي أدوات للتفكير يمكن أن تمثل
بنظام الرموز الذي أوجده بول , هو نظام يوازي- بشكل وثيق – النظام الجبري .
و يمكن تطبيق المنطق البولي على أي مقولة على الإطلاق يمكن التعامل معها
بدلالة التصنيف الثنائي : أي وضعها في صيغة ثنائية ( صحيحة / خاطئة , تنتمي
/ لا تنتمي , ذكر /أنثى ) .
و في عام 1854 نشر عمله الفذ ( قوانين التفكير ) الذي حدد فيه
قواعد معالجة الرموز , المعروف في الرياضيات بنظرية المجموعات أو ( جبر بول
) . و لم يلق عمله اهتماما على مدى ما يقرب من 50 عام من قبل علماء
الرياضيات البارزين لأنهم اعتبروه عملا غير ذي أهمية . و في عام 1937 اكتشف
كلود شانون العلاقة بين جبر جورج بول و الدوائر الكهربائية التي تشتغل
بالنظام الثنائي : مفتوح (). و مغلق () . التي تم استعمالها في المفاتيح
الكهرباية , ثم في مفاتيح توجيه الهاتف .
و تستخدم الحواسيب نظام العدد الثنائي برقمين هما (1) و( 0) و
بهما يتم تشكيل كل الأرقام و كل الحروف و هي اللغة التي تتم بها برمجة
الحواسيب ( برناما و برنامجا ).و بهذا المنطق تشتغل برامج كل الأجهزة
الرقمية .كما يشكل القاعدة في الإرسال الرقمي .( و هو ما تشرحه كل الكتب
المهتمة بالمعلوميات أو المنطق الرياضي ).
المنطق الضبابي :
واضع المنطق الضبابي هو الأمريكي لطفي زادة (المولود بباكو
بأذربيجان سنة 1921) الذي اكتشف هذا النوع من المنطق في جامعة كاليفورنا
الأمريكية عندما لاحظ أن كلمة ( صحيح ≠ خطأ ) أو ( 0 ≠ 1) في المنطق الصوري
أو المنطق الرياضي غير كافية للتعبير عن إصدار القيمة و لا يعبر عن منطق
علاقات الناس و معاملاتهم .كما استفاد من النسبية التي جاء بها البرت
انشتاين . و استفاد من علم الإحتمال لأن النتيجة فيه تتراوح بين (1) و (0)و
قد تكون 0.5 أو0.6 أو 0.7 أو …. و إذا كانت أنواع المنطق تنظر إلى القيم
بالتناقض فإن المنطق الضبابي ينظر إليها بالتضاد.
ولتوضيح ذلك يمكن سياقة الأمثلة التالية . : لو قلنا بدرجة
الحرارة المئوية 25 فهي معتدلة لسكان حوض البحر الأبيض المتوسط . و باردة
بالنسبة لسكان الصحراء . و حارة بالنسبة لسكان آلاسكا و سيبيريا . و لو
قلنا عن بناء من ستة ( 6) طوابق : فهو مرتفع بالنسبة لكثير من الدول
الإفريقية . و لكنه غيرمرتفع بالنسبة لمدينة كنيويورك أو طوكيو أو شيكاغو
…. . و نقول الطائرة سريعة مقارنة مع السيارة , و لكنها بطية مقارنة مع
طائرة أخرى أسرع منها ……و نقول :الصوت مرتفع بالنسبة إذا كان الصمت مخيما
(ليلا مثلا ) ونقول : منخفض إذا كان الضجيج ( في النهار مثلا ) . و درجة
الصوت في ) و بينتهما درجات كثيرة .min – max ) المذياع تتراوح بين
و يستعمل المنطق الضبابي في ( برمجة الذكاء الإصطناعي) :
. آلات تصوير الفيديو : استشعار حركة الأشياء التي تقوم الكاميرا
بتصويرها و أيضا أي اهتزاز للكاميرا . أو توضيح الصورة غير الواضحة التي
ترسلها المسبارات الفضائية عن الكواكب (تلسكوب هابل – فواياجور 1 –فواياجور
2 .مستكشف المريخ …).
. توفير إمكانية التحكم في السرعة بالنسبة للمركبات ذات القيادة الأوتوماتيكية أو التحكم في الفرملة أو…
. كما تستعمل في برمجة المكيفات الهوائية لتخفيض الحرارة تدريجيا
حتى الوصول إلى الدرجة المطلوبة …و في كثير من الأجهزة القائمة على الذكاء
الاصطناعي .لكن للأسف أن المعلومات و المراجع لا زالت شحيحة و قليلة في هذا
النوع من المنطق باللغة العربية ؟؟؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق