(728x90)اعلان

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

السبت، 27 فبراير 2016

من المنطق الأرسطي ( الصوري ) إلى المنطق الرياضي ( الجزء الثاني )

شارك المقال


 

عصر النهضة :

 

عرف المنطق الأرسطي تطورا على يد ( الرواقيين ) الذين أضافوا إليه مبحثا هاما و هو ( القضايا الشرطية ) , و اعتبروا المنطق ليس مقدمة أو مدخلا للفلسفة بل جزءا منها . 
و في عهد الدولة الإسلامية عرف المنطق تطورا هاما على يد فلاسفة الإسلام و مفكريه ( سنتعرض له إن شاء الله في جزء خاص به) .
و مع بداية ترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية ( من القرن 11 إلى القرن 16 )….و الإنتقادات و الملاحظات و النقائص …..التي سجلها المسلمون حول المنطق اليوناني . كل ذلك سيؤثر في فلاسفة عصر النهضة مثل ” روني ديكارت ” الذي أدخل ( الإستنباط الرياضي ) لإصلاح المنطق الأرسطي و تفادي عقمه لاعتقاده أن ( النتيجة في المنطق الرياضي غير متضمنة في المقدمات كما في : قولنا 5 + 4 = 9 . أما في قولنا : كل إنسان فان . سقراط إنسان . إذن سقراط فان . فهذا تحصيل حاصل من مقدمات تتضمن النتائج في المنطق الصوري ) . و ينتقد ( بوانكاريه )المنطق اليوناني بقوله أن : المنطق الصوري يفسرللآخرين ما يعرفونه و لا يكشف لهم عن معرفة يجهلونها .وجاء “فرانسيس بيكون ” ليضع أسس المنهج التجريبي الحديث . و جون ستيوارت ميل ليضع قوانين الإستقراء التجريبي و غيرهم … و خلافا لذلك هناك من اعتبر أن المنطق ولد كاملا مع “أرسطو” و هو ما ذهب إليه ( إيمانويل كانط )الذي قال : ( لم يضطر المنطق – منذ أرسطو – إلى التراجع خطوة إلى الوراء …ولم يتمكن – حتى الوقت الراهن من أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام . أ ن القرائن تشير إلى أنه علم قد تم و اكتمل ) في إشارة إلى كمال المنطق اليوناني .
إلا أن أهم تحول و تطور سيعرفه المنطق كان في المنتصف الثاني من القرن 19 على يد ” ليبنز ” الذي انتبه إلى التشابه بين المنطق و الرياضيات . و أن الرياضيات كلها عمليات استنتاج , تتم انطلاقا من مبادئ منطقية . كما لفت الأنظار إلى البحث في الأوليات المنطقية التي يمكن بواسطتها تعريف الأوليات الرياضية . ودعا إلى صياغة المنطق صياغة رمزية حتى يتم التخلص من غموض و إبهام اللغة :لأن التعبير بالألفاظ يحتمل أكثر من معنى أما التعبير بالرموز فلا يحتمل التأويل ( ولا يحتمل إلا معنى واحد ) و بهذا يتحقق التجريد أعلى ( أكثر) كالذي يوجد في الرياضيات نظرا لاستعمالها للرموز . فالرموز تمكننا من تمثيل كل فكرة برمز و بالتالي تمكننا من عرض البناء الرياضي في صورة منطقية دقيقة , وهو ما يسمى بالمنطق الرمزي أو المنطق الرياضي أو “اللوجيستيقا” أو المنطق الجبري ( نسبة إلى علم الجبر ) … الشيء الذي أدى إلى تجاوز المنطق الكلاسيكي .( وقد أشرنا في مقالاتنا السابقة إلى ظهور الرموز بالحروف لأول مرة في الهندسة بدل الألفاظ على يد ( فرانسوا فييت 1540 – 1603م) . وظهور علامة زائد (+) و ناقص (-) على يد جون ويدمان سنة ( 1489م) . و ظهور علامة تساوي (= ) على يد ( روبرت روكورد) سنة ( 1557م) . و ظهور علامة أكبر من ( ‹) و أ صغر من ( ›) على يد ( طوماس هاريوت 1560 – 1621 م ) …و جاء ( جورج بول 1815 – 1864 ) ليكون أول من يضع دعائم ” الحساب المنطقي ” و بدأ (المنطق الجبري ) الذي يعتمد التعبير على العمليات الفكرية برموز جبرية …. و لكن هذا المنطق لم يكتمل إلا مع ( برتراند راسل 1872-1970 bertrand russell) و( هوايتهيد 1861-1947 alfred north whitehead ) اللذان ذهبا إلى “تحليل الرياضيات تحليلا يردها إلى أصولها المنطقية ثم تحليل المبادئ المنطقية نفسها تحليلا ينتهي بنا إلى عدد من الفروض التي نستطيع أن نستنبط منها كل قواعد المنطق و كل قواعد الرياضيات و بذلك تزول كل الفروق بين المنطق و الرياضيات , اذ ليست الرياضيات إلا امتدادا للمبادئ الإستنباطية التي هي مبادئ منطقية ”
حاول راسل و هوايتهيد المزج بين المنطق والرياضيات فوصلا إلى المنطق الرمزي، الذي يستخدم نوعين من الرموز، وهي الثوابت والمتغيرات، ويتألف من أربعة مباحث أساسية هي:
ـ منطق القضايا: يستخدم متغيرات قضوية، فيدرس قيمة صدق القضية كوحدة، من دون النظر إلى مكوناتها، ثم يبحث الروابط بينها، معتمداً  الاثبات و النفي , العطف، الانفصال، اللزوم والتكافؤ)، فيشكل بذلك «دالات الصدق»، ويتابع بدراسة الصلات بين هذه الدالات ليكتمل كنسق استنباطي، مكوناته: أفكار أولية ومصادرات وقواعد استنباط خاصة، ثم يعمد لبرهنة جميع نظرياته، كما يدرس الاستدلال بنوعيه، من خلال صياغته بصورة «دالات صدق»، فيتمكن بذلك من اختبار صحتها بقوائم الصدق حيث ميز بعض حالات التقابل غير الصحيحة، وأيضاً بعض الأقيسة الفاسدة، التي عمد إلى تصويبها.
ـ منطق المحمولات: يدرس القضايا مع اعتبار مكوناتها، مستخدماً لذلك متغيرات حدية، ورموزاً لأسوار القضايا، معتمداً الثوابت المنطقية السابقة، ليمحص بهذه الأدوات موضوعات المنطق التقليدي ويطورها.
ـ منطق الفئات: يدرس القضايا باعتبارها ارتباط فئتين، فئة يدل عليها «الموضوع» وأخرى يدل عليها «المحمول»، ويصيغ جميع الاستدلالات بصورة معادلات جبرية، يختبر صحتها إما «بأشكال فن» الهندسة، وإما ببرهان حسابي، كما يدرس خصائص الفئات والعمليات الجبرية عليها (جمع الفئات، ضرب الفئات، الاحتواء، والهوية بين الفئات)، وينتهي إلى بناء نسق استنباطي مكون من مقدمات [(أفكار أساسية مثل الفئة الصفرية، الفئة الشاملة، والفئة المتممة)، و(بعض التعريفات الخاصة) و(المصادرات المأخوذة من العمليات الجبرية على الفئات)]، ويعتمد قواعد اشتقاق خاصة (الاستبدال الموحد واستبدال التطابق …) ليصل من خلالها إلى برهنة نظرياته. ومتغيرات هذا النسق متغيرات فئوية، أي إن كلاً منها يدل على فئة، كما أن له رموزه الخاصة للثوابت.
ـ منطق العلاقات: يبحث العلاقات من خلال الأفكار الأولية التي تقوم عليها، كما يركز على عمليات جمع العلاقات وضربها، وسلب العلاقة وعكس العلاقة والهوية والتضمن بين العلاقات. ويصنف العلاقات نوعياً إلى: انعكاسية، تماثلية، متعدية وترابطية. وكمياً وفق عدد حدودها إلى: علاقة واحد بكثير، علاقة كثير بواحد، علاقة واحد بواحد وعلاقة كثير بكثير، ويعتمد متغيرات تدل على علاقات (ع، غ) أما ثوابته فهي الثوابت المنطقية السابقة (النفي، الاحتواء، التضمن، الاجتماع، الضرب و اللزوم) فيكتمل بذلك كنسق استنباطي دقيق.
الفرق بين المنطق الصوري و الرياضي يتجلى فيما يلي
1- الصياغة الرمزية في المنطق الرياضي و التعبير بالألفاظ اللغوية في المنطق الصوري .
2- الثوابت و المتغيرات : يتميز المنطق الرمزي عن المنطق صوري بالمتغيرات و الثوابت . و يقصد بالمتغيرات حدود القضايا المنطقية و هي عادة تختلف من نسق لأخر و من قضية لأخرى أو من علم لأخر . أما الثوابت المنطقية فتوجد في كل قضية منطقية و في كل علم من العلوم (…) كما توجد في لغتنا العادية المستعملة يوميا و هي أساس تركيب الجمل (لا= للنفي ) (و=العطف أو الاضافة او الوصل ) (أو=الفصل ) (اذا … ف) للشرط و جواب الشرط (هو=فعل كينونة ) وكل ثابت من هذه الثوابت ال13 له رمزه الخاص به .
3- الصياغة الاكسيومية : فالمنطق الرياضي له منهجه في صياغة قضاياه و ثوابته و مسلماته أو أولياته صياغة أكسيومية بخلاف المنطق الصوري الذي ليست له هذه الصياغة .
4- رفض المفاهيم الميتافيزيقية و يرفض اللغة الطبيعية ( كالعربية و الفرنسية …) بل يكتفي بلغة رمزية عالمية و يبتعد عن الذاتية بخلاف المنطق الارسطي الذي يتأثر بالذاتية .
5- من المنطق الثنائي الى المنطق الكثير القيم ف المنطق الارسطي : ثنائي القيمة اذ لايميز الا بين قيمتي الصدق و الكذب أما المنطق الرياضي نجد قيما أخرى كالصدق و الكذب و الامكان و الاستحالة .
6- الارتباط بالرياضيات و توسيع مجال الاستنباط حيث له القدرة على توليد عدد لا حصر له من الاحكام الجديدة اضافة الى أن مجاله واسع يشمل منطق القضايا و العلاقات و الفئات .
7- الفرق بين القياس الارسطي و الاستدلال الرياضي : بتحصيل الحاصل من المقدمات (كبرى و صغرى ) .أما في المنطق الرياضي فاستنتاج نتيجة غير معروفة في المنطق الرياضي .
في علاقة الرياضيات بالمنطق يقول ( برتراند راسل ) : كانت الرياضيات و المنطق تاريخيا نوعين من الدراسة متميزين تماما, فقد ارتبطت الرياضيات بالعلم , و المنطق باللغة اليونانية . و لكن كليهما تطور في الأزمنة الحديثة , فأصبح المنطق أكثر رياضيا , و الرياضيات أكثر منطقية , مما ترتب عليه استحالة , وضع خط فاصل بينهما , إذ الواقع أن الإثنين شيء واحد . و الخلاف بينهما كالخلاف بين الصبي و الرجل , فالمنطق شباب الرياضيات , و الرياضيات تمثل طور الرجولة للمنطق … لقد أصبح من الواضح أن كثيرا من البحث الرياضي الحديث يقع على محيط المنطق . كما أن كثيرا من المنطق الحديث رمزي و صوري , مما جعل العلاقة الوثيقة بين المنطق و الرياضيات جلية لكل طالب علم .( من كتاب مقدمة للفلسفة الرياضية لبرتراند راسل). 12 رمضان 1435

كتب بواسطة

أسعد القيسي من المملكة الاردنية الهاشمية مدير ومؤسس موقع القيسي ويب | الأفضل لكم بدايتي في مجال التدوين من 2011 وفي هذه المدونة اتعلم وانقل لكم كل ما اجده مفيد لكل شخص يهتم بعالم الويب والمدونات.

1 التعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2016 أولاليت أحمد تصميم القيسي ويب | الأفضل لكم